launchora_img

Illustration by @luciesalgado

أما أنتَ ... فلست

Info

يدعونك ( عبد الله ) . مسلم و يحكمون على مظهرك بأنك مسيحي . فللمسيحيين شكل مميز , يعرفون هكذا من هيئتهم . إنك تعيش بمفردك في شقة صغيرة ... لا تعيش في غرفة ضيقة لكنك ترضى بها . إنك قنوع جدًا . مات أبوك منذ أسبوع من الآن , و لحقت به أمك من يومين . أنت حزين الآن . مكتئب ... لا أنت لا تبالي . العزاء كان بالأمس في منزل العائلة , حضره عمك و خالتك , أخذتك الجلالة و قلت لهم أنك لن تغادر غرفتك الصغيرة التي تحويك و تسترد إرث أبوك و أمك , قلت لهما أنها-تعني الشقة- منذ الآن لهما يفعلان بها ما لذ لهما . فلنرجع لما كان عليه ... أنت الآن تعاني من الاكتئاب , الوحدة , العزلة .

يرن المنبه رنينًا عنيفًا صاخبًا , لم تكن من الأساس نائمًا لكنك أغلقته و كاد النوم حينها يخطفك . أنت تعمل بائع جرائد ... لا ... لا , إنك تحب الموسيقى , فهي تليق بك أكثر , إنك متسول . تعزف على كمانك و يضع الناس لك نقود . أنت موسيقار , لكنك لا تحب ما تعمل , أو بالأحرى لا تأبه به . تقوم من رقدتك و تذهب ناحية الصنبور الصغير المثبت في ركن من غرفتك الضيقة , تنزل رأسك داخل الحوض لتهطل مياهه الباردة . إنك في شهر فبراير , أو يناير ... لن يعني لك التوقيت كثيرًا , فأنت تقول في نفسك أن الأيام و السنوات تتشابه , تمر مرورًا بطيئًا , تنتظر فقط أن تنتهي منها بالموت أو بحادث عارض .

ترد فجأة و تنتفض موجهًا كلامك إلي :

- لست تعيسًا ... أنا في غاية سعادتي , و الغرفة في الحقيقة في غاية الاتساع ... أحب الموسيقى بالمناسبة , هي مهنتي و لست متسولًا .

لا انتبه لما تقول مثل الذي يقرأ , و اتابع ما أكتب .

تمر بفرشاة أسنانك لتضع الحصة اليومية من المعجون , تغسلها جيدًا ثم تنتبه فتضغط على زر إناء الماء الذي وضعت فيه قهوتك ... لا ... بل وضعت حبات الشاي الناعمة ,فأنت تحبها , لطالما ذهبت إلى مقاهي و غادرت غيرها لمجرد أن الأولى تقدم الشاي ناعم و ليس حصى . تضع الشاي بعدما تكاد المياه تغلي , تغلي حبات الشاي و أنت تتابع هذا بتمعن , تنفخ بأنفاسك فتنفجر الفقاعات . تأتي بكوب فارغ , يكاد ينكسر .. فلقد أوقعته أنت منذ يومين , الكوب متسخ بعض الشي ء من اليوم . لم تغسله فأنت فوضوي , كسول إلى أبعد حد . ملابسك كلها في الغسيل ... كيف ستنزل ؟ لا دعني أفتعل إفتعالات الرواية و الأفلام , هناك قميص واحد مهندم و نظيف , و إن كان رائحته غير طيبة بعض الشيء .

تشرب الشاي , و تتصفح جريدة الأمس . فأنت تقول أن بائع الجرائد , دائمًا يعطيك أنت دون سائر الناس عدد الأمس . فتترك كل الصفحات و تتهاوى عيونك لتصل إلى مساحة الأبراج , لتعرف حظك اليوم . أنت برج الأسد , كُتب في الجريدة ( احذر من أعدائك فأنت مغفل , حاول أن تبتعد عن علاقة عاطفية جديدة ) ... لا .. لا انتظر , أنت تنظر أولًا في العادة إلى صفحة الحوادث فتجد القصص مروعة , فتغلق عيونك و تشرب كوب الشاي و تتهيأ لترتدي القميص , فهو الذي ينقصك , أنت ترتدي بنطال أسود جينز به ثقب لا ترغب في أن تصلحه لأن هذا سيكلفك مشوار حتى نهاية الشارع , و أنت كما تعرف كسول .

تصرخ من داخلك نحوي و تقول :

- و اللهِ سأنزل بعد العمل و أصلح هذا البنطال .

بالمناسبة , لقد ذهبت و أنت تنتشي بإرادتك , فوجدت المحل مغلقًا ... اليوم الجمعة . لا أحد يعمل يوم الجمعة .

تحدثك نفسك بأني أكذب عليك , فلتنظر إلى النتيجة المعلقة على الحائط و تجد أنه الثلاثاء , فتضحك و تصفني بأني مغفل و غير مرتب ... تنزل و تذهب للمحل , فتجد مكانه محلًا مختلف عن الأول . لقد أغلق نهائيًا , أعلن إفلاسه .. قد يكون مات صاحبه و لا يملك أولاد يديرون المحل .

تدير ظهرك له و تتمشى حتى تجلس كعادتك , في زواية من شارع في حي راقي لا يمكن لي أن أذكر اسمه , لأني ببساطة لست معني بالتفاصيل هذه , فتجلس القرفصاء و معك بيانو ... لا .. كيف لك أن تعزف بهذا كله و أنت مفلس ؟ فلنقل أنك تعزف بأوكورديون , تعزف بإتقان , هي موهبة حباك بها الله . أنت فعلًا موهوب لكن لا تنتبه لذلك . تهمل موهبته و تتسول عاطفة الناس من أجل معيشة . أنت تعتقد في نفسك أنك لست مطالبًا بأن تعمل في مهنة مشرفة , فالدنيا كلها إلى زوال , أنت تعيش اليوم بيومه , لا تريد منهم سوى الشفقة لحالك , فيبرزون مع العطف أموالًا تأكل و تشرب بها . فكرت أنت مرة في أن تصبح ممثل , لم يفلح معك الأمر , فقد جرحك أحدًا من أصدقائك حين مثلت أمامه مشهدًا تراجيديًا ... لا .. لا , أنت وحيد لا تملك أصدقاء . لقد اعتقدت أنك ستكون ممثلًا يومًا ما , لم تحاول إبراز هذا أمام أحد , لأنك ببساطة لا تملك سوى نفسك . تعزف بالأوكوريدون و شفاهك العريضة المضحكة الضاحكة لا تُغلق حتى و إن مللت العزف , فالنقود التي جمعتها لا تكفي . جاءت لك فكرة ... لا لقد ضاعت الآن .

ينتهي يومك مع انتصاف الليل , فترجع لغرفتك الضيقة , لعزلتك المقيتة التي صرت تعتادها و تحبها .

تسألني :

- انتظر لكني أحب ( ألفت ) , لم تذكرها ؟

فانتبهت لما تقول . ليس كل ما تقول انتبه له . لكن هذا الاسم لا يناسب حياتك يا عبده , فلنجعلها ( سارة ) .... لا إنه اسم تقليدي ... ( طاهرة ) اسم قديم لا يوحي بما تريد في حياتك ... ( منى ) لكنك تقول لي أنك لا تتمناها ... ( قديسة ) اسم صعب للتذكر أو الذكر , إنه يصيبك بالإحراج عندما تذكره أمام نفسك ... انتظر سأدخل لاتصفح أسماء بنات , افتح المعجم و ما سيقع أمامي سألصقه بك . ( سدرة ) ... ( ابتهال ) ...(دانية ) .... ( دنيا ) ...

( ديالا) ... ( داليا ) ...(افنان) ... (أشجان) ... فلنقل أنك شاذ .

أنك لا تهوى البنات , تستحي فقط من قول هذا أمام الناس ... لا .. إنك تستحي ليس خوفًا من الناس و من قتلك باسم الدين أو الفضيلة أو الطبيعة , لأنك تعرف أنك تخالف ما فطرت عليه , حبك للرجال و اشتهاؤك لهم عندك يخالف رغباتك الذكورية .

أن هيئتك مريبة و غريبة .. لهذا زهدت الحياة , لا معنى لشيئًا فيها , هي بداية يعقبها نهاية عادية .. ليس هنا قبل و لا هناك بعد . لست تهتم باسئلة وجودك , سألك أحدهم في مرة .. هل هناك الله ؟ فقلت له لا أريد أن أعرف , لا أهتم . أنت ملحد بالمناسبة .

ترجع إلى الغرفة الضيقة , لتجد الكتب و المجلدات الحديث منها و القديم محشورة على رف صغير , أنت مثقف و تحب القراءة كثيرًا ... لا , لا ... الكتب كلها تعود لأبيك الذي مات لتوه , و أنت لم يكن يومًا بمقدورك الاستمتاع بأي كتاب .

لديك شاشة صغيرة , و جهاز فيديو , ترتمي أمامه شرائط لا حصر لها من الأفلام ... ليس أفلام خليعة .. إنها شرائط سجلتها أنت بنفسك للقساوسة وعاظ ... تعشق كلام البابا .

قبل أن تعترض من جديد , أعرف أنك مسلم , لكنني أنسى , أنا في الآخر إنسان ... أما أنت فلستَ . تغدو في نوم عميق ... لا أنك تعاني من أرق منذ يومين , لقد نسيت أن تأكل , تنزل فتجد المحلات جميعها مغلقة فتعود أدراجك ... لم تبالِ و انتظرت لهذا السطر .

يدق الباب فتجد ( ألفت ) , جارتك تقدم لك عشاءًا , و تقول لك أنها تحبك و أنها تعرف أنك بالكاد شاذ و ستعالجك و تخلعك من وحدتك تلك . قطرات الماء من الصنبور لا تتوقع عن الهطول , إنها تشكل موسيقى هذا المشهد يا سادة . نهاية سعيدة مفتعلة مني , أما أنت فلستَ !


Be the first to recommend this story!
launchora_img
More stories by Omar
الخامسة صباحا

هل أهرب أم هذا سيلصق بي التهمة ؟ سأهرب . تركت الجثة على حالها و هرولت بسرعة قبل أن تحاصرني الشرطة

00
ما بعد اليوم الأخير

أدركت حينها , أني و أنا في طريقي للبحث عن السعادة بين الناس ينبغي أن أكون سعيدًا ...لا يهم ما حدث

00
في الفناء نفسه

في النهاية عادوا كلهم في ذات الفناء , و لا نعلم ما ستكتبه المعلمة في رسالتها .

00

Stay connected to your stories

أما أنتَ ... فلست

27 Launches

Part of the Dark Fantasy collection

Updated on July 27, 2018

Recommended By

(0)

    WHAT'S THIS STORY ABOUT?

    Characters left :

    Category

    • Life
      Love
      Poetry
      Happenings
      Mystery
      MyPlotTwist
      Culture
      Art
      Politics
      Letters To Juliet
      Society
      Universe
      Self-Help
      Modern Romance
      Fantasy
      Humor
      Something Else
      Adventure
      Commentary
      Confessions
      Crime
      Dark Fantasy
      Dear Diary
      Dear Mom
      Dreams
      Episodic/Serial
      Fan Fiction
      Flash Fiction
      Ideas
      Musings
      Parenting
      Play
      Screenplay
      Self-biography
      Songwriting
      Spirituality
      Travelogue
      Young Adult
      Science Fiction
      Children's Story
      Sci-Fantasy
      Poetry Wars
      Sponsored
      Horror
    Cancel

    You can edit published STORIES

    Language

    Delete Opinion

    Delete Reply

    Report Content


    Are you sure you want to report this content?



    Report Content


    This content has been reported as inappropriate. Our team will look into it ASAP. Thank You!



    By signing up you agree to Launchora's Terms & Policies.

    By signing up you agree to Launchora's Terms & Policies.